كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال ابن زيد، وابن كيسان: يعني: أن بهما تحسب الأوقات، والآجال والأعمار، ولولا الليل والنهار، والشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب؛ لأن الدهر يكون كله ليلًا أو نهارًا.
وقال الضحاك: معنى {بحسبان}: بقدر.
وقال مجاهد: بحسبان كحسبان الرحى، يعني قطبهما الذي يدوران عليه.
قال الأخفش: الحسبان جماعة الحساب، مثل شهب وشهبان.
وأما الحسبان بالضمّ فهو العذاب، كما مضى في سورة الكهف.
{والنجم والشجر يَسْجُدَانِ} النجم: ما لا ساق له من النبات، والشجر ما له ساق.
قال الشاعر:
لقد أنجم القاع الكثير عضاهه ** وتمّ به حيا تميم ووائل

وقال زهير:
مكلل بأصول النجم تنسجه ** ريح الجنوب لضاحي ما به حبك

والمراد: بسجودهما: انقيادهما لله تعالى انقياد الساجدين من المكلفين.
وقال الفراء: سجودهما: أنهما يستقبلان الشمس إذا طلعت، ثم يميلان معها حين ينكسر الفيء.
وقال الزجاج: سجودهما دوران الظل معهما، كما في قوله: {يَتَفَيَّأُ ظلاله} [النحل: 48] وقال الحسن، ومجاهد: المراد بالنجم: نجم السماء، وسجوده: طلوعه، ورجّح هذا ابن جرير.
وقيل: سجوده: أفوله، وسجود الشجر: تمكينها من الاجتناء لثمارها.
قال النحاس: أصل السجود الاستسلام والانقياد لله، وهذه الجملة والتي قبلها خبران آخران للرحمن، وترك الرابط فيهما لظهوره كأنه قيل: الشمس والقمر بحسبانه، والنجم والشجر يسجدان له {والسماء رَفَعَهَا} قرأ الجمهور بنصب السماء على الاشتغال.
وقرأ أبو السماك بالرفع على الابتداء، والمعنى: أنه جعل السماء مرفوعة فوق الأرض {وَوَضَعَ الميزان} المراد بالميزان: العدل، أي: وضع في الأرض العدل الذي أمر به، كذا قال مجاهد، وقتادة، والسديّ، وغيرهم.
قال الزجاج: المعنى: أنه أمرنا بالعدل، ويدل عليه قوله: {أَلاَّ تَطْغَوْاْ في الميزان} أي: لا تجاوزوا العدل.
وقال الحسن، والضحاك: المراد به: آلة الوزن ليتوصل بها إلى الإنصاف والانتصاف.
وقيل: الميزان: القرآن لأن فيه بيان ما يحتاج إليه، وبه قال الحسين بن الفضل، والأوّل أولى.
ثم أمر سبحانه بإقامة العدل بعد إخباره للعباد بأنه وضعه لهم، فقال: {وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط} أي: قوّموا وزنكم بالعدل.
وقيل المعنى: أقيموا لسان الميزان بالعدل، وقيل المعنى: أنه وضع الميزان في الآخرة لوزن الأعمال، و(أن) في قوله: {أَلاَّ تَطْغَوْاْ} مصدرية، أي: لئلا تطغوا، و(لا) نافية، أي: وضع الميزان لئلا تطغوا، وقيل: هي مفسرة؛ لأن في الوضع معنى القول، والطغيان مجاوزة الحد، فمن قال: الميزان: العدل، قال: طغيانه الجور، ومن قال: الميزان: الآلة التي يوزن بها، قال: طغيانه: البخس {وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان} أي: لا تنقصوه، أمر سبحانه أوّلًا بالتسوية، ثم نهى عن الطغيان الذي هو المجاوزة للحد بالزيادة، ثم نهى عن الخسران الذي هو النقص والبخس.
قرأ الجمهور: {تخسروا} بضم التاء، وكسر السين من أخسر، وقرأ بلال بن أبي برزة، وأبان بن عثمان، وزيد بن علي بفتح التاء، والسين من خسر، وهما لغتان، يقال: أخسرت الميزان وخسرته.
ثم لما ذكر سبحانه أنه رفع السماء ذكر أنه وضع الأرض، فقال: {والأرض وَضَعَهَا لِلأنَامِ} أي: بسطها على الماء لجميع الخلق مما له روح وحياة، ولا وجه لتخصيص الأنام بالإنس والجنّ.
قرأ الجمهور بنصب {الأرض} على الاشتغال، وقرأ أبو السماك بالرفع على الابتداء وجملة {فِيهَا فاكهة}: في محل نصب على أنها حال من الأرض مقدّرة، وقيل: مستأنفة لتقرير مضمون الجملة التي قبلها، والمراد بها: كل ما يتفكه به من أنواع الثمار.
ثم أفرد سبحانه النخل بالذكر لشرفه، ومزيد فائدته على سائر الفواكه فقال: {والنخل ذَاتُ الأكمام} الأكمام جمع كم بالكسر، وهو وعاء التمر.
قال الجوهري: والكم بالكسر، والكمامة: وعاء الطلع، وغطاء التنور، والجمع كمام وأكمة وأكمام.
قال الحسن: {ذات الأكمام} أي: ذات الليف، فإن النخلة تكم بالليف، وكمامها ليفها، وقال ابن زيد: ذات الطلع قبل أن يتفتق.
وقال عكرمة: ذات الأحمال {والحب ذُو العصف والريحان} الحبّ: هو جميع ما يقتات من الحبوب والعصف.
قال السديّ، والفراء: هو بقل الزرع، وهو أوّل ما ينبت به.
قال ابن كيسان: يبدو أولًا ورقًا، وهو العصف، ثم يبدو له ساق، ثم يحدث الله فيه أكمامًا، ثم يحدث في الأكمام الحبّ.
قال الفراء: والعرب تقول: خرجنا نعصف الزرع إذا قطعوا منه قبل أن يدرك، وكذا قال الصحاح.
وقال الحسن: العَصْفُ: التبن، وقال مجاهد: هو ورق الشجر والزرع.
وقيل: هو ورق الزرع الأخضر إذا قطع رأسه ويبس، ومنه قوله: {كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ} [الفيل: 5]، وقيل: هو الزرع الكثير، يقال: قد أعصف الزرع، ومكان معصف، أي: كثير الزرع، ومنه قول أبي قيس بن الأسلت:
إذا جمادى منعت قطرها ** إن جناني عطن معصف

والريحان: الورق في قول الأكثر.
وقال الحسن، وقتادة، والضحاك، وابن زيد: إنه الريحان الذي يشم.
وقال سعيد بن جبير: هو ما قام على ساق.
وقال الكلبي: إن العصف: هو الورق الذي لا يؤكل، والريحان: هو الحب المأكول.
وقال الفراء أيضًا: العصف: المأكول من الزرع، والريحان: ما لا يؤكل، وقيل: الريحان: كل بقلة طيبة الريح.
قال ابن الأعرابي: يقال: شيء ريحاني وروحاني، أي: له روح.
وقال في الصحاح: الريحان: نبت معروف، والريحان: الرزق، تقول: خرجت أبتغي ريحان الله.
قال النمر بن تولب:
سلام الإله وريحانه ** ورحمته وسماء درر

وقيل: العصف: رزق البهائم، والريحان: رزق الناس.
قرأ الجمهور {والحبّ ذو العصف والريحان} برفع الثلاثة عطفًا على {فاكهة}.
وقرأ ابن عامر، وأبو حيوة، والمغيرة بنصبهما عطفًا على {الأرض}، أو على فعل، أي: وخلق الحبّ ذا العصف والريحان.
وقرأ حمزة، والكسائي، {والريحان} بالجرّ عطفًا على {العصف}: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} الخطاب للجنّ والإنس؛ لأن لفظ الأنام يعمهما وغيرهما، ثم خصّص بهذا الخطاب من يعقل.
وبهذا قال: الجمهور من المفسرين، ويدلّ عليه قوله فيما سيأتي: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثقلان} ويدلّ على هذا ما قدّمنا في فاتحة هذه السورة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها على الجنّ والإنس، وقيل: الخطاب للإنس، وثناه على قاعدة العرب في خطاب الواحد بلفظ التثنية، كما قدّمنا في قوله: {أَلْقِيَا في جَهَنَّمَ} [ق: 24] والآلاء: النعم.
قال القرطبي: وهو قول جميع المفسرين، واحدها: (إلى) مثل معى وعصى.
وقال ابن زيد: إنها القدرة، أي: فبأي قدرة ربكما تكذبان، وبه قال الكلبي.
وكرّر سبحانه هذه الآية في هذه السورة تقريرًا للنعمة، وتأكيدًا للتذكير بها على عادة العرب في الاتساع.
قال القتيبي: إن الله عدّد في هذه السورة نعماءه، وذكر خلقه آلاءه، ثم أتبع كل خلة وضعها بهذه الآية، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين، لينبّههم على النعم ويقرّرهم بها، كما تقول لمن تتابع له إحسانك، وهو يكفره: ألم تكن فقيرًا فأغنيتك؟ أفتنكر هذا؟ ألم تكن خاملًا فعززتك؟ أفتنكر هذا؟ ألم تكن راجلًا فحملتك؟ أفتنكر هذا؟ والتكرير حسن في مثل هذا، ومنه قول الشاعر:
لا تقتلي رجلًا إن كنت مسلمة ** إياك من دمه إياك إياك

قال الحسين بن الفضل: التكرير طرد للغفلة وتأكيد للحجة {خَلَقَ الإنسان مِن صلصال كالفخار} لما ذكر سبحانه خلق العالم الكبير، وهو السماء والأرض وما فيهما، ذكر خلق العالم الصغير، والمراد بالإنسان هنا: آدم.
قال القرطبي: باتفاق من أهل التأويل، ولا يبعد أن يراد الجنس؛ لأن بني آدم مخلوقون في ضمن خلق أبيهم آدم، والصلصال: الطين اليابس الذي يسمع له صلصلة، وقيل: هو طين خلط برمل، وقيل: هو الطين المنتن، يقال: صلّ اللحم وأصلّ: إذا أنتن، وقد تقدّم بيانه في سورة الحجر، والفخار: الخزف الذي طبخ بالنار، والمعنى: أنه خلق الإنسان من طين يشبه في يبسه الخزف.
{وَخَلَقَ الجان مِن مَّارِجٍ مّن نَّارٍ} يعني: خلق أبا الجنّ، أو جنس الجنّ من مارج من نار، والمارج: اللهب الصافي من النار، وقيل: الخالص منها، وقيل: لسانها الذي يكون في طرفها إذا التهبت، وقال الليث: المارج الشعلة الصادعة ذات اللهب الشديد.
قال المبرد: المارج: النار المرسلة التي لا تمنع، وقال أبو عبيدة: المارج: خلط النار، من مرج إذا اختلط واضطرب.
قال الجوهري: مارج من نار: نار لا دخان لها خلق منها الجانّ {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإنه أنعم عليكما في تضاعيف خلقكما من ذلك بنعم لا تحصى {رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين} قرأ الجمهور {ربّ} بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أيّ: هو ربّ المشرقين والمغربين، وقيل: مبتدأ، وخبره: {مَرَجَ البحرين} وما بينهما اعتراض، والأوّل أولى، والمراد بالمشرقين: مشرقا الشتاء والصيف، وبالمغربين: مغرباهما {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن في ذلك من النعم ما لا يحصى، ولا يتيسر لمن أنصف من نفسه تكذيب فرد من أفراده.
{مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ} المرج: التخلية والإرسال، يقال: مرجت الدابة: إذا أرسلتها، وأصله الإهمال، كما تمرج الدابة في المرعى، والمعنى: أنه أرسل كل واحد منهما، يلتقيان أي: يتجاوران لا فصل بينهما في مرأى العين، ومع ذلك فلم يختلطا، ولهذا قال: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} أي حاجز يحجز بينهما {لاَّ يَبْغِيَانِ} أي: لا يبغي أحدهما على الآخر بأن يدخل فيه ويختلط به.
قال الحسن، وقتادة: هما بحر فارس والروم.
وقال ابن جريج: هما البحر المالح والأنهار العذبة، وقيل: بحر المشرق والمغرب، وقيل: بحر اللؤلؤ والمرجان، وقيل: بحر السماء وبحر الأرض.
قال سعيد بن جبير: يلتقيان في كل عام، وقيل: يلتقي طرفاهما.
وقوله: {يَلْتَقِيَانِ} في محلّ نصب على الحال من البحرين، وجملة: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} يجوز أن تكون مستأنفة، وأن تكون حالًا {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإن هذه الآية وأمثالها لا يتيسر تكذيبها بحال {يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ}.
قرأ الجمهور {يخرج} بفتح الياء، وضم الراء مبنيًا للفاعل، وقرأ نافع، وأبو عمرو بضم الياء، وفتح الراء مبنيًا للمفعول، و{اللؤلؤ}: الدرّ، و{المرجان}: الخرز الأحمر المعروف.